الفرخة الدايخة

الأنوار تعانق الأصوات,شعاع العيون يرسم دائرة مركزها صاحبت الفستان الأبيض والتاج اللامع, يا لها من عروس رائعة! تحيط كفى عريسها في اشتياق, وهو بدوره يدنو بمقلتيه نحوها,تنطبق جفونه من حين لآخر, وكأنه يمنى نفسه بعش الزوجية الدافئ,لحظات وتحقق له ما أراد.

ترك عروسه في غرفة النوم وذهب يبحث عن وسيلة تطيل الحب,وعاد فوجدها قد استبدلت فستانها الأبيض بقميص نوم أسمر مثير,يبرز أكثر مما يخفى,تفوح منها رائحة عطرة,وتحيطها بها هالة تمزج ما بين الرغبة والخجل والخوف في آن واحد.

ابتسم بخبث وهو يتقدم منها,عناق بسيط,همسات,ضحكات,بدأت معها الإضاءة في التلاشي تدريجيا
,لتضفى جوا من الخصوصية,فترة سكون.

الإضاءة تنتفض,وكأنها استجابة لنظراته الزائغة وحرارة أنفاسه المتتالية,لملمت ساقيها بانكسار, رفعت رأسها ببطء,التقت نظراتهما,رعد وبرق يصطدم بتوسلات مكتومة.

استجمع ما بقى من كبريائه,واخذ نفسا طويلا وكأنه خرج من قاع المحيط,وابتلع ريقه بصعوبة و صاح:مين؟!!!!!!!!

أقصى علامات الذهول هبطت على ملامحها, لم تتحمل هذا الاتهام الصريح, لم تصدق آلاف التساؤلات التي نحتت تضاريس وجهه والذي ظهرت عليه فجأة أعراض الشيخوخة.

بدا يهذى:طب ليه؟.. وعشان إيه؟
حاولت استدعاء بعض الكلمات من مخزن ذاكرتها,رتبتها باستعجال,وبنبرة مترددة:
ماخنتكش.. وأنت عارف..أنا بحبك أد.
صفعة قوية على وجهها الشاحب,بطرت عبارتها وجعلت الإضاءة تهتز بعنف,صرخ بانفعال:
حب!.. حب إيه؟!..مستعد اغفر اى حاجة..اى حاجة..
يضغط على مخارج الألفاظ:إلا..الخيانة.
تحسست اثر الصفعة الغائرة,استردت بعض شجاعتها المتوارية,وخرجت كلماتها كالحمم البركانية:
أنا مش خاينة..أنا مش خاينة..أنا مش خاينة.
ظل صدى كلماتها يتردد في أنحاء الغرفة لفترة ليست بالقصيرة,إلى أن صاح وهو يدق بيده على إحدى ساقيه:
الشرف زى الزجاج..إذا كسر لا يلحم.
تحسست اثر الصفعة مرة أخرى,وكأنها تمدها بالقوة,وبتحدي قالت:
الجسم لوحده..مش رمز للشرف..والبكارة مش مرتبطة بالطهارة.. دا حاجة بس..عشان ترضى غرور الراجل الشرقي.

صاح بغيظ:
فض البكارة مش عملية بيولوجية..دي عملية نفسية بتقدم فيها الزوجة لزوجها.. دليل عفتها..و..
تقاطعه قائلة:
طب لو العذرية.. دليل للعفة قبل الجواز..فأيه دليلها بعده؟..إحنا مش سلعة..لازم لها علامة تجارية.. والا بقت مغشوشة..لازم التخلص منها..ماحنش عربيات..اللي ع الزيرو لها تمن..والمستعملة لها تمن.
أشاح بوجهه عنها.
صاحت بعناد:
انتوا مش آلهة.. بتغلطوا.. ومحدش بيحسبكوا.. ليه؟.عشان رجاله.
وكأنه يكلم نفسه:
سمعتي؟..سمعة العيلة؟
استردت باقي شجاعتها وتقمصت شخصية من تدافع على بنى جنسها,وصاحت بسخرية:
عملية بسيطة..ترقع سمعتك.. وسمعة العيلة اللي بتتكلم عنها.. لو كنت خاينة بصحيح.. كنت عملت كده.
نظر إليها وباشمئزاز قال:
نفس منطق المومس الفاضلة.. عند سارتر.. قلب الحقائق.. بقيت أنا الجاني وأنت.. المجني عليها.
نظرت إليه وقد حز فيها ما قاله, وهزت رأسها بالنفي قائلة:
مفيش جاني..ولا مجني عليه.. للأسف.. توزيع ادوار.
صاح وهو يبدل ملابسه:
الخيانة..مرض ميئوس منه.. علاجه الوحيد هو..الاستئصال.
حاولت أن تمنع دموعها ولكنها فشلت,وبحلاوة روح قالت:
معقول حلاوة الحب..تنقلب في لحظة..لخيبة أمل..معقول!!
قال بعصبية:الكرامة فوق الحب..فوق كل شيء..حتى العرف والتقاليد..فوق.
تقاطعه قائلة:ربنا بيغفر.
نظر إليها بنظارات ثاقبة وكأنه يوجه إليها تحذيرا شديد اللهجة,وقال:
ربنا بيغفر وهو راضى.. الامتحان خلص.. ومفيش دور تانى.
وكأنها تستحلفه بذكرياتهما المشتركة,قائلة:
ادينى فرصة تانية.
انتهى من ارتداء ملابسه,واتجه إلى باب الغرفة,وقبل أن يغادرها,وقف والتفت لها,وصاح:
الوحيد اللي ممكن يديكى الفرصة دي.. هو أبوكى.. الحاج عوض.. الصعيدي.. مش أنا.
غادر الغرفة بسرعة, وكأنه يتحاشى نظراتها المتوسلة, أغلق الباب خلفه بعنف, وكأنه اسقط لافته كانت معلقة عليه, كتب عليها بالبنط الكبير, ممنوع الاقتراب أو التصوير.
وكالفرخة الدايخة تنبأت بمصيرها المحتوم, فالدفاع والنيابة ضدها.. ضمنت الإعدام.. جذبت قميص الحداد الأسود لتستر نفسها, رفعت يديها إلى السماء, ولسان حالها يقول, لم يعد أمامي إلا بابك, فهو الباب الوحيد الذي لا يغلق.


كاتب وسينارست مصرى/ وائل مصباح
دراسات عليا فى الفلسفة والاجتماع
0101261829 & 0114005523

1 التعليقات:

آمـال عـكيفـي الأحد, أبريل 26, 2009  

قصة جميلة يأستاذ وائل مصباح.. حملتني معها إلى عالم أعرفه ويعرفني.. وكأني كنت ثالثهما في تلك الغرفة..
سأهنأ بيت القصة القصيرة بمساهمتك فيها.. ستتفاجأ لو قلت لك أن أول قصة كتبتها في حياتي وأنا في السنة الاولى ثانوي.. كانت عن نفس الموضوع! لكن نهايتي كانت مختلفة تماما, لم أسلمها لجزار وإنما جعلتها صاحبة قرارها.. وتذهب به إلى طبيبة نسائية والتي شرحت لجنابه أن هناك في العالم أجمع 10 بالمئة من النساء لا تولد بغشاء بكارة!! وربما بطلتك منهم..
بالتوفيق إنشاء الله..

إرسال تعليق


أهلا بك في بيتك

أهلا بك في بيت القصة.. يهمنا أن تشاركنا بقصتك القصيرة.. مهما كانت قصيرة.. فهي تعنينا.. بيت القصة هو مكان لكل القصص القصيرة كانت من مخيلتك أو من مداعبات الواقع.. راسلنا على هذا العنوان amal.akifi@gmail.com..
سنهتم بتقييمها ونشرها,
بشرط أن لا تحمل مساهمتك أي إساءة لفظية ضد شخص بعينه أو دين..