أهل الجنة وأهل النار





A la noblesse d’un homme généreux que ne peux le rencontrer qu’une fois dans la vie

.. A un ange qui s’appelle Fréderic mari..

- 1 -


عندما كنا صغارا كنا نرى الله دائما في السماء.. هناك.. فوق.. وراء تلك السماء الزرقاء نهارا والسوداء ليلا.. كنا دائما نرى الله في السماء بعيدا يراقبنا دون أن نراه..
نتشاجر مع بعضنا كثيرا.. ولا يكفي تشابك الايدي ونثر التراب وقدف الحجارة للخروج بنصر حيث يسرع أحدنا قبل الاخر برفع أحد الأصابع للاشارة لشيء بديئ.. وكان رد المتلقي لتلك الاهانة دائما



- لم تصلني لقد أشرت بيدك إلا السماء.. سوف يعاقبك الله!


فيملئنا خوف الصغار لارتكابنا تلك الفعلة.. وكأن الله معزول في السماء وينظر إلينا منها بصمت.. هكذا تعودنا حين نفكر في الله أن ننظر إلى السماء.. وحين نرفع أكفنا الصغيرة بالدعاء ننظر إلى السماء.. وحين ننتظر العقاب نحتمي من السماء..
وكثيرا حين نكذب ينهرنا الكبار ويتبرؤا مما جئنا به لأننا سندخل جهنم!!


وكلما كبرنا يتلاشى ذلك الخوف شيئا فشيئا .. لأننا نقنع أنفسنا أن الكبار دائما يكذبون وأن الله يغفر الدنوب جميعا.. شيئا فشيئا ننسى أننا سنعاقب لأن مواجهة الحياة ونحن كبار لها أعتبارات أخرى لم تحضرنا ونحن صغار.. فتتعاظم تلك الخطايا التي تسبقها كلمة محبوسة في الحلق تستجدي غفران الله .. ونكمل فعلتنا بخوف يتلاشى هو الاخر مع تكرار تلك الخطايا..
بل ننساق إلى تمجيد أفعالنا الخيرة ونمن على الله أننا كنا طيبين للحظات..


- 2 -

.. مثلا عندما كنت طفلة كانت جدتي تقول أن المسلمين يذهبون إلى الجنة والنصارى واليهود سيذهبون إلى النار!!
كانت جدتي تقول أيضا أن من يصلي سيذخل الجنة وأن السكارى سيذهبون إلى جهنم!!
عندما كبرت لم يعد ميزان جدتي ينفعني لتقيم اهل الجنة أوالنار..
فهي كانت لها حياتها البسيطة واهتمامات صغيرة, وصلاة تواضب عليها وحياة كانت راضية بها وقانعة.. لكن قناعاتي أنا التي كونتها بما فسرته لي كانت تهتز كلما ابتعدت عن محيط منزلنا..


أذكر تلك الليلة جيدا, كنت في طريق عودتي إلى منزل بعد أنتهاء دروسي الليلية.. ولكي أصل إلى وسيلة الموصلات المتبقية في الخدمة تلك الليلة كان علي أجتياز شارع طويل مليئ بالحانات والملاهي اليلية..
من بعيد كنت اتابع شابا في الثلاثين يبكي كالاطفال ويتخلص من أذرع الرجال من حوله لكي يجتوا على قدمي سيدة عجوز يقبلها في هستريا.. ذلك المنظر جعلني قلبي يدق من الخوف كلما اقتربت منهم..

لم يكن لي خيار أخر إلا المرور بجانبهم, وكلما اقتربت, كلما أستوعبت من تلك الاصوات التي تخترق أذني ما يجري..
لم يكن الشاب يريد بأي شكل إيداء تلك العجوز.. فقط, بعد أن لعبت الخمر برأسه.. تذكر والدته, ورأى في تلك العجوز أما أخرى..

لم يرضى لها الاذى من السكارى وهي تجلس أمام الحانة لتبيع السجائر والفول السوداني..

أخرج كل ما بجيبه وسلمها إياه راجيا منها الرحيل.. والعجوز كانت تراه فقط سكرانا لا يعي ما يفعل, ورفضت أستغلال سكرته..
وكلما رفضت أقسم بالله أنه يراها كوالدته وينزل ليقبل رجليها كي تقبل ما وهباها إياه..
في نفس الليلة وعلى سلم عمارتنا.. أجد إحدى جراتنا بلباس منزلي دون جلباب ولا مال تكاد تنهار من البكاء.. كان قد طردها زوجها العارف بالله, صاحب اللحية الطويلة والثوب القصير.. فقط لأنها تأخرت في جلب الخبز من الدكان المجاور.. دون أن يشفق عليها وهو يعرف جيدا أن عائلتها تقطن في مدينة أخرى!!


مفهوم الجنة والنار زاد تعقيدا وأنا أراقب تصرفات من حولي.. فهل تكفي الطاعة لتذخل بعضهم إلى الجنة بكل النميمة والحسد والتشهير والرغبة في تشويه الاخرين وسوء الظن الذي يملئ قلوب من تأدينا منهم قبل الاخرين.. وإذا لم يكن هذا فهناك حب الظهور والتعالي والغرور, الانانية, الجبن, عدم الوفاء بالوعود والعهود!! ربما لأن الكثير يراها أشياء صغيرة لا تكفي لتذخل النار!!

ربما.. في حالة واحدة إذا لم تصل تلك التصرفات الصغيرة لتصير خطايا كبيرة.. إذا لم تؤدي الاخرين وتدمر حياتهم!!


- 3 -

كنت أراقب الطاولات التي أمامي في مقهى..
كن نساء تذخن.. وغير بعيد منهن هناك رجل يذخن هو الاخر بصحبة امرأة.. كانا ينظران إلينا جميعا بإزدراء شديد.. ففي الللاوعي الجماعي تصنف كل أنثى تذخن كإمرأة سيئة الصمعة!!
تكرر تواجدنا في نفس المكان.. لم تختلف جلساتنا.. فهن كن يكتفين بالحديث عن كل شيء ويرحلن وأنا كنت أراقبهن لأستقي من حركاتهن شخصيات لقصصي القصيرة.. لكن صاحبنا كان في كل مرة يغير رفيقاته إلى أن أنتهى به الامر مرة بحضور أحداهن لتثير فضيحة لوجوده مع أخرى غيرها.. وكل واحدة منهن تؤكد أنها خطيبته!!
وتحت ضغط محاصرته بأسئلتهن.. صفع إحداهن ناعتا إياها بالعاهرة..
ما أسهل أن تخرج تلك الكلمة من فم الرجال وما أقصاها حين تتلقاها أحداهن.. شعرنا ساعتها أن تلك الاهانة عمتنا جميعا ولم تخص صاحبتها, فانتفضنا جميعا طالبين منه الرحيل من المكان لأنه لا يختلف عن الحيوانات في شيء..

صراخه ساعتها صار أعلى وأعلى وهو يردد :


- اذهبن إلى الجحيم يا عاهرات يا مدخنات..


بتلك الصاعقة التي نزلت على رأسي.. حاولت اخفاء توثري وأنا أتجول بنظري على وجوههن.. أحسست أنهن كن يقلنا نفس ما فكرت فيه..
"النزول إلى مستوى حشرة مثل هذا سقوط لا يشرف.. "


التفتنا إلى طاولا تنا في انتظار أن يتكفل به المشرفين.. لكن إحداهن لم يرضيها ما فعلناه..
قلبت طاولته برجلها وهي تجيب بنفس لهجته..


- الوحيدة العاهرة بينهن هي أنا .. أتعرف كيف وصلت إلى ما أنا عليه؟
لقد صدقت واحدا يشبهك .. أعيش ميته لأن سافلا مثلك غدر بي.. فأصبحت بلا دراسة ولا عائلة .. أعيش منبودة لأن أحدهم رأي في سداجتي عهرا.. أنت لا تتعدى كونك قوادا بشكل ما.. تغرر بضحاياك وتدفع بهن للرذيلة كسبيل وحيد للاستمرار والبقاء.. أرحل يا حثاله ولا تحاول العودة هنا مجددا.. لأني ساعتها لن أمنع رغبتي في قلع عيناك بيدي هاتين..


- 4 -
تلك الفتاة التي جاهرت بعهرها أصبحت صديقتي بعدها.. لم أرى في النساء أكثر منها أمانة وطيبة.. إنسانة خالية من أي دنس فكري.. لم أراها يوما تحسد أحدا أو تتحدث عن أحدهم بسوء.. طوال الوقت لا تكذب إلا على زبائنها!!


كانت كثلة من العطاء والذكاء الاجتماعي.. لم أحس مرة أنها انسانة ناقصة.. كانت تنصحني دائما أن لا ألمس مشروبي ثانية بعد تركه على طاولة.. كانت تعاتبني بعصبية حادة حين أعود لمشروبي بعد الذهاب إلى الحمام ..


عن طريقها تعرفت على زميلاتها.. كن لا يختلفن عنها كثرا إلا في قصصهم التي تجعلك تخجل من تلك النظرة الدونية التي تلصقها بإحداهن دون أن تعرف سبب وصولها إلى ذلك الطريق..
كن خائفات من الوصول إلى تلك السن التي تجبرهن على التحول إلى قوادات لاخريات.. فمعظم العاهرات يتحولن إلى قوادات بدون مبادئ ولا هدف سوى جلب أخريات إلى زبائنهن السابقين..
كل واحدة منهن كانت تتمنى عائلة كتلك التي سمعت حكايتها من طبيبة نسائية تعرفت عليها في نفس المقهى..
أن تكوني شريفة أو عاهرة هي فقط مسألة ضروف مهيئة!!


الفتاة كانت في سن 16 عندما حملت من أبن الجيران فاصطحبتها والدتها إلى عيادتها لأجراء عملية أجهاض دون مس لعذريتها.. لكنها رفضت لعدم وجود أمكانية لذلك .. بعد أربع سنوات قابلتها برفقة طفلة بم تتم الرابعة من عمرها وزوجها!! هنئتها على زواجها ظنا منها أنه نفس الرجل الذي حملت منه.. لكنها نفت في سخرية وهي تقول :

- ليس هو!!


فوالدتها بحثت عن طبيب متخصص في هذا النوع من العمليات والذي اكتفى بعملية قيصرية وتنظيف ما بذاخلها دون مس بكارتها.. معلقة أن الرجل لم يبحث عن سبب ذلك الجرح الظاهر أسفل بطنها عندما وجد غشاء بكارتها في مكانه!!


أما صديقتي فقد كانت قصتها مختلفة تماما..
كانت في سنها عندما ذهبت رفقة صديقاتها إلى مرقص نهاري وطلبت مشروبا غازيا.. بعد رجوعها من الحمام اتممت مشروبها لتجد نفسها في اليوم الموالي في شقة أحدهم بعد أن تم اغتصابها وحين رجعت إلى المنزل حكت ما حدث ولم تجد العائلة التي تركتها فبعد أن تناوب رجال عائلتها على ضربها وأهانتها ثم طردها إلى الخارج.. وهكذا وفي يوم وليلة صارت بدون عائلة ولا دراسة ولاشرف.. فريسة لكل للقوادات وزبائنهن..


- 5 -
ما سمعته من تلك الفتيات كانت زوداتي التي غادرت بها إلى بلد آخر..
لم أسمح لنفسي بأن أكون ضحية, بلا حول ولا قوة, في كل زاوية كان هناك من ينتظر سقوطي في كل طريق كنت اقابل قوادات في لباس الملائكة المهتمين لأمري ولديهن الحل لمشاكلي.. والحل دائما لدى رجل!!
تعلمت من حكاياتهن متى أقول لا ومتى أراوغ لانتظار الوقت المناسب.. للاختفاء أو إنهاء اللعبة.. فكل رجل له أساليبه وله ذكائه الخاص لحشري في زاوية ضيقية, وقوتي دائما في أن أكون بعيدة المنال..


((خدي ولا تعطي شيئا.. مهما أوهمك أنه قد نفد صبره فأنت الاقوى.. فلا يوجد رجل قوي أمام الرفض.. وكلما رفضتي كلما صار كالعجين في يديك بعدها.. لكن يجب أن تعرفي الوقت المناسب للاختفاء حتى لاتكوني فريسة لعنفه أو ردوده الانتقامية ))
كانت هذه قاعدة صديقتي العاهرة.. لكن حين أصبحت بدون عمل ومقيدة بالتزامات مادية ثقيلة وجدت نفسي محشورة تلقائيا في تلك الزاوية التي فررت منها في كل مرة وكثرت السكاكين الجاهزة من حولي وبدئ إرتباكي يظهر تدرجيا ومقاومتي تضعف.. حينها أحسست بشدة ما كانت تشعر به تلك الفتيات.. اسأل بكل قهري ربي وابث له شكواي وحزني..


- (هل تلك الفتيات يستحقين عذابك يا رحمن ؟ ربي لا حول ولا قوة لي إلا بك.. ابعد عني شر عبادك ما بعدت سمائك عن أرضك وقرب لي الصالحين من عبادك بقدر ما أنت قريب منهم.. ربي لا تفتني بامتحانك.. واسترني ولا تفضحني بين عبادك..)


واستجاب الله دعائي وبعد أيام وجدت عملا.. لم يكن ما انتظرته لكنه كان كافيا لأن يجعلني قوية.. كان عملا لدى نصراني..


مشغلي الجديد صارحني بحرجه لعملي لديه حين علم بمؤهلاتي ووجدت نفسي مجبرة أن احكي له دوافع قبولي للعمل لديه لهذا زادني وظيفية أخرى.. وهي تعليمه العربية والترجمة ..
وهكذا صار لي امتيازات إضافية.. وبيته صار مفتوحا لي طوال الوقت و كل ما ظهر له ضرورة وجودي كمترجمة فورية بجانبه كلما زادت أمتيازاتي, وأصبح سائقه تحت تصرفي.. زاد مرتبي وانتقلت للعيش في شقة أكبر وأكثر أمانا
في أحد الاحياء الراقية, وصار لدي جيران أحبهم ويحبونني والاهم صار لدي صديق يثق بي ويستأمنني على كل ما يخصه حتى سلاحه.. وأصبحت أول من يستشريه في كل شيء.


- 6 -
صديقي ذاك كان لديه سائق من الاحباش البسطاء في رؤيتهم لكل شيء فهو يكثر من الصلاة ويتكاسل عن عمله, فحين يستغل تلك السيارة في كل عمل مشبوه, ومع أنه كان كثير الاستغفار والدعوة إلى الصراط المستقيم إلا أنه دائما يثبت لنا خيانته للامانة بشكل ما والتي وصلت في اخر المطاف للتأمر وسرقة المنزل مع آخرين!!


كان في كل مكان يطربنا بأغاني عن حماس وفلسطين ويتحدث طوال الوقت عن الجنة والنار
مما دفع صديقي ذات يوم ليعلق عليه في خبث :

- أنت محظوظ بإسلامك لأنك ستجد 72 حورية في أنتظارك بعد الموت, ومنزلا كبيرا وسيارة كهذه وتلفاز بحجم الحائط كما تقول .. لكن إذا أستمريت على قيادتك لسيارتي هكذا .. فلن تحصل في كل تلك الحوريات إلا واحدة وسبعين.. وسأحتفظ أنا بواحدة لأننا لا نستطيع في ديانتي التركيز إلا على واحدة من النساء.. وهذا حق مشروع لي لأنك ستكون السبب في موتي بحادث خطير ولن أتنازل عن حقي حين تقف لتحاسب أمام الله!!


- سيدي يجب أن تكون مسلما حتى تذخل الجنة!


صمت صديقي المسيحي بعض الوقت وأجاب بخبث أكبر :
- لا يا أحمد! أنا لن أذخل الجنة كما قلت .. لأني أحبذ جهنم.. فكل النساء سيئات السمعة سيجتعن هناك وسأصاحبهن كلهن دون تكبد عناء مغازلتهن أو دفع رشوة مالية حتى يذخلن فراشي..


احتقن وجه السائق.. وتصلبت أذناه بشكل مفاجأ.. فاستدركت بلغة يجهلها سائقه حتى لا يحمل ما قاله هذا الاخير على أنه ديننا الذي نفخر به..


- سائقك له عذره, فهو يرى كل شيء ببساطته وينسى كثرا أن الدين المعالمة.. فحتى 72 حورية لن تكون من نصيبه إذا ظل حقودا حسودا للاخرين كما أراه.. فالايمان أن تحب لاخيك ما تحبه لنفسك ونحن جميعا نعبد ربا واحدا لكن نختلف في شريعتنا ومنهاجنا.


- هل هذا في دينكم حقا إذن لما تنعتونا بالكفار دائما؟!!


- يجب أن تسأل نفسك قبلا لما جاء الاسلام بعد المسيحية ولما جاءت المسيحية بعد اليهودية.. سائقك فعل نفس ما فعله اليهود قبل أن يبعث الله المسيح (ع) لينهيه.. فاليهود احتكروا الله والمغفرة والجنة لهم ونصبوا أنفسهم شعب الله المختار.


- لا أفهم ما مشكلتكم انتم المسلمين مع هذه التصورات عن الجنة والنار فهو كل مرة يحكي لي عن هذه الجنة وهذه النار وكأنها معزولة في عالم آخر .. يجب أن يفهم بعقله هذا أن الجنة والنار نعيشها في هذه الحياة فكل منا يختار طريقا يوصله إلى الجنة أو إلى النار.. كل الديانات تتكلم عن هذف سامي ومبادئ أخلاقية إلا دينكم فهو لا يتحدث إلا عن الجنة والنار هذه رؤية سطحية للدين!
.. قولي لي كيف يعاقبني الله على أني كنت محبا للناس وشاكرا له بمساعدتي لهم دون أن أنتظر أجرا لمجرد أني لم أقم الصلاة والصيام مثل المسلمين مع أني أفعله كما تعلمته في شريعتي.. لما تنفونا عني صفة الايمان وتلصقون بي صفة المدنس فقط لكوني لا أشبهكم وعيناي زرقواتان؟


- يا صديقي, لا حظ أن في ديانتكم أيضا من يتحدث مثله ويرانا مجرد وثنيين ومهرطقين فهل تعبث نفسك مرة لكي تعرف ما هو الاسلام بعيدا عن ما يقوله سائقك كل يوم؟


- لا أنوي تغيير ديني حتى أتعرف على الاسلام.. وهدف سائقي أن ارتد عن ديني لكنه ينتهج معي طريقة تشبه مشاهدة طفل للرسوم المتحركة!!


- لا أريدك أن ترتد عن دينك بل لتصححه بما جاءنا في القرآن.. الاسلام جاء ليصحح ثلاث أشياء في الديانة المسيحية.. وهي ألوهية النبي عيسى التثليت وبنوة السيد عيسى وسكوك الغفران.. على كل أرى أن المكان غير مناسب لكي نتكلم عن الاديان في هذه السيارة فسائقك مستعد ليدفع نصف عمره كي يرضي فضوله ويستوعب ما نقوله بلغه يجهلها.. مع أني شككت فيه من أول يوم أنه يتبع لجهة ما ومجند لنقل أخبارك.. أسئلته دائما خارج عن حددوه وتصرفاته مربكة ووقحة!!


- لا تتكلمي عنه هكذا .. سوء الظن معصية..


- هذه خطيئتي التي لا أستحي منها, لأنها دائما توصلني لبر الامان فاحذر منه كي لا تصلك أنيابه!!

.. قبل أن تذهب كعادتك لتبحث عن صدق ما قلته لك.. اعلم أن من شروط الاسلام أن نؤمن بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الاخر والجنة والنار .. أي أنني إذا نفيت عنك نصرانيتك سقط عني صفة الاسلام! هناك في سورة البقرة بالتحديد في الايات 62/ 111/ 112/ 113 دليل على أن الاسلام ينهى عن التكفير أو نزع صفة الايمان عن اليهود والنصارى والمسلمين والصابئة ووصف الله أمثال سائقك باللذين لا يعلمون تحب أن تسمع الاية والترجمة الفورية؟

- نعم.. أكتبيها لي..



- 7 -
مند تلك الليلة صديقي تحمس لسماع ما نعرفه عن الديانة المسيحية واليهودية بعيدا عن ما تتداوله المنتديات..
وبعد أن بحث لمدة سنة في ما جئت به وتأكد من صدقه في كتبه المقدسة.. صار يشاركنا صيامنا وأعيادنا وصار له مفهوم خاص عن الجنة ..
فلم يكن يجد حرجا في ان يطلب دعائي في صلاتي له, بل وحتى كان يذكرني بمواعيدها.. ويحترم مواقيت الاذان ويذبح كبشه في عيد الاضحى ويشاركنا الصيام قدر ما استطاع دون ان يتخلى عن شعائره المسيحية التي صار مرتبطا بها أكثر وصارت مسبحتي الفضية التي وهبتها إياه تلازم جيب سترته الذاخلي..


هكذا جعلنا الايمان أكثر قربا وصارت حوارتنا عن الدين تعادل نقاشاتنا عن السياسة والامن ولم يعد يراني مختلفة عنه واختفى ذلك الجدار الضخم بيني وبينه..
ما تعلمته منه كان أكثر مما تعلمه مني.. لقد كان يقاطعني في كل مرة ابدئ فيها بالتحدث بسوء عن الاخرين بعربية ركيكة
- لا! حرام..


لم يكن لينام دون أن يطمئن أن كل مستخدميه بخير ولا ينقصهم شيء.. لم يتأخر يوما في علاج أحدهم أو نسى أكرامية عيده
كان وفيا لاصدقائه ولوعوده دائما
لم يرد يوما إساءة بإساءة أخرى رغم قدرته على العقاب والرد العنيف..


- 8 -
ومرت الايام والشهور ومر كل منا بأزمات ومشاكل كبيرة.. كانت بمثابة امتحانات مصيرية لقناعاتنا ومدى قدرتنا على حماية من يهمنا أمرهم.. كل واحد منا كان جاهزا لمساندة الاخر بكل قواه..
وصرت معه ادرك ما الجنة وما النار فهو كان على حق..
الجنة والنار نعيشها أحياء.. وكل ما نفعله في هذه الحياة هو مجرد اختيارات إضافية للطريق الذي اختارناه مند البداية والذي ينتهي بالمكان الذي نستحقه.. ونختار معها من نريدهم في صحبتنا في العالم الاخر..


سألته يوما :

- لما لم تتركني يوما أسقط؟ .. فأنا لست من ديانتك.. لما حميتني من كل شيء وكأني جزء من عائلتك, وكدت أن تخسر بسببي عملك؟.. مع أن الكل تخلى عني الاصدقاء المزيفين الذين كانوا فقط للتجسس علي والحبيب الذي نكث وعده بإلغاء غرامتي وحمايتي ..المعارف اللذين أداروا وجوههم بعيدا عني..


قاطعني مبتسما:

- لأني أخترتك أن تكوني معي في الجنة التي حدثني عنها.. لأرى تلك الجنة بدونك.. وإذا تركتك ورائي لن يكون لي شرف صحبتك في العالم الاخر.. هناك أشخاص لديهم أشياء لا تشترى ولا تباع بالمال وأنت شيء لا يباع ولا يشترى.. يوهب من الله..

هناك أشخاص كل شيء لديهم يباع ويشترى, لذلك لن يكون لهم شرف امتلاكك لأنك نعمة من نعم الله يهبها لمن يشاء من عباده.. لا تباع ولا تشترى.. أريت كم أنا محظوظ بلقائك..


- لا ياصديقي.. أنا المحظوظة الكبيرة بمعرفتك.. لأنك نور أضاء لي ممرات كثيرة.. وجعلني في كل مرة أفخر بنفسي لأني من أعزاءه.. فليباركك الله ويهديك لطريقه المستقيم.. ويجعلك من العليين في الدنيا والاخرة.. يا أنبل من قابلت في حياتي..


- ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/62

{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)} سورة البقرة
آمال عكيفي /صيف 2009


أهلا بك في بيتك

أهلا بك في بيت القصة.. يهمنا أن تشاركنا بقصتك القصيرة.. مهما كانت قصيرة.. فهي تعنينا.. بيت القصة هو مكان لكل القصص القصيرة كانت من مخيلتك أو من مداعبات الواقع.. راسلنا على هذا العنوان amal.akifi@gmail.com..
سنهتم بتقييمها ونشرها,
بشرط أن لا تحمل مساهمتك أي إساءة لفظية ضد شخص بعينه أو دين..