كلبتي وفتوى التفريق !!



كلبتي !!

أصدقكم القول أني رأيتها في الايام الاولى أحد مشاكلي العظام وابتلاءا من الله.. أو بمعنى أصح, هذا ما ساعدني المؤمنون المجتهدون في الطاعة على إعتقاده واجتهدوا في ترسيخه بذاخلي كواجب ديني!! نعم تصورا معي هذا.. التخلص من كلبة والدي واجب ديني لأن الملائكة لا تذخل المنزل.. هكذا قالوا وهكذا بدون مقدمات أقتنعت!!


أعود للمنزل لأجد أخرى احتلت فراشي وغطائي وتزاحمني في كل شيء حتى الحمام !!

وضعت والدي أمام خيارين يا إما رحيلي عن المنزل أو رحيل تلك الكلبة التي احتلت مكاني وجعلت المنزل غير صالح للصلاة !!


وبالفعل اعتصمت في منزل شقيقي حتى يتخلصوا منها, وتخلصوا منها بوضعها رهن الضيافة لدى أحد أصدقاء والدي.. صار والدي المسكين يكابد عناء زيارة كلبته العزيزة يوميا بعد خروجه من مكتبه.. وأحيانا حين يصطدم بأحد أشياءها يحمله بانكسار وحزن على فراقها, وقد تفر دموعه كما حدث مرة..


وهنا كان لبد أن أتقبل وحتى بأن أبادر بعرض حل وسط, وهو أن يخصص لها مكان بعينه وعدم السماح لها بالتجول في المنزل الذي أعدت تنظيفه من كل أثارها حتى أستطيع القيام بصلاتي دون حرج!!


----------------------------- ---------------------------------------------------------- ---


وعادت "ليزا" إلى المنزل.. هزيلة, منهكة.. "ليزا" كلبتنا أضربت عن الطعام واعتصمت بالقرب من الباب تنتظر فقط زيارات والدي.. وحين يرحل كانت لا تتوقف عن العواء والبكاء طوال الليل, وهناك لا تجد إلا أحد صنادل صديق والدي لتجيبها, وهذه الاهانات زادت من عزلتها الاختيارية إلى أن أكتئبت ومرضت !!


استعادت عافيتها بالتدريج, وبعد ايام عادت لحالتها الطبيعية نسبيا, وزاد حصاري أكثر, فهي لها الحق في كل المنزل وأنا محجوزة في صالة الضيوف حتى لا أصطدم بمكان جلست عليه وتفسد طهارة ملابسي !!


لم أعد أرى الهواء الذي أتنفسه في المنزل نظيفا وأصبحت أقرف من الدخول إلى منزلنا !!


بإختصار تحولت إلى متطرفة بامتياز !!


في المقابل.. هي.. كانت تنتظر استيقاظي أمام الصالة التي صارت مكان نومي حتى لأفاجأ بها تحث غطائي ليلا..

حين اتأخر في النوم تبدئ بالانين كطفل يحادث أمه, تتوسلني أن أخرج من الصالة لأعد لها وجبة الافطار!!


------------------------------- --------------------------------------------------- --------

للآن لا أدري كيف كانت تدرك أني فتحت عيناي, فقط كنت أسمع قفزتها السريعة في الغرفة المقابلة من مكاني وفي لمح البصر أجدها ترقص بذيلها بخفة تترجاني النهوض..!!


فبالصدفة كانت ميولنا في الاكل واحدة, فلا يحلوا لها إفطار إلا بشرائح زبدة سائحة مع المربى على قطعة خبز ساخن.. أو جبن قشدي أو زبادي جبني, تعشق الكبدة ولا تأكل شيئا دون توابل أو غير متقن الاعداد !!

تعشق الفواكه, خصوصا الجافة, ويطير عقلها بأكل المكسرات !!

تأكل السمك, ولا تنتظر أمام رائحة طبق الكسكس المغربي, بإختصار فنانة في إختيار أطباقها, والمصيبة أنها تكره رائحة أكل الكلاب !!


وتستمتع بالجلوس على مكان نظيف.. وتحب رائحة المنظفات !!



ما أدهشني فيها أكثر أنها كانت تستوعب جيدا ما أريده منها, فحتى في غيابي لا تدخل إلى المكان الذي تفرد فيه سجادة الصلاة, وحين تقضي حاجاتها في الحمام توقظني كي أنظفه وكأنها تعتذر مما فعلته, و تبتعد تماما عن مداري حين أتمم وضوئي, والوحيدة في المنزل التي لا تعبث بأشيائها.. بل وحتى تخبرني بطريقتها أن هناك من عبث بها في غيابي !!


وهكذا شيئا فشيئا صرت أعمل مجهودا على إستيعاب ما تريده, كما فعلت هي كي ترضيني, وأصبحت اكافأها بجولة مسائية وقرطاس فول سوداني, وجعلت منها زبونة دائمة لدى جارنا صاحب دكان الشواء..


كنت أختفي لأيام بسبب سفر قصير, كانت لا تفارق مسّاحة الأحذية حيث يصير مكانها الذي لا تتحرك منه, وأحيانا تتوقف عن الاكل إلى أن أعود.. كانت تحس عودتي قبل دخولي إلى الحي, وتعلم بصعودي سلم العمارة فتسترسل بنباح ليفتحوا الباب , وترتمي علي وهي ترتعش من الفرحة, وكنت أجيبها ممازحة : أحكي لي "لوزتي" كل ما حدث في غيابي..

الغريب أن وجوه البعض تتغير وكأنهم ينتظروا منها أن تخبرني بما شهدت عليه !!
---------------------------- --------------------------------------------------------------


علاقتي الجديدة بالكلبة التي صارت كلبتي, لم تعجب الكثيرين من أقاربنا وأصدقائنا الذين كانوا يعولون علي كي أتخلص منها, باعتبارها حيوانا يحرم دخول الملائكة إلى المنزل..


وبصراحة رغم أنهم فعلوا كل ما بوسعهم لأقناعي أن هذا ما قاله الشرع.. إلا أنهم فشلوا في ذلك.. لأني مع الحصار النفسي الذي عشته من إمكانية فساد وضوئي بوجودها, بحثت عن الاسناد الشريعي لذلك..

لم أجد سوى الحديث الذي يقول أنه لا يجوز الوضوء بالماء الذي شرب منه الكلب..

غير ذلك لم أجد شيئا يحرم وجود الكلاب في المنزل, بل ووجدت أن المكانين الوحيدين الذي لا تدخله الملائكة هو الحمام وغرفة زوجين فوق سرير المعاشرة.. وذلك عن إستحياء..


--------------------------- ---------------------------------- -------- ------------------
ظننت الموضوع أنتهى إلى هنا, لكني كنت مخطئة, فحين اقترب والدي من سن التقاعد, تذكر المساجد بحمد الله وصار يجتهد للإستدراك ما فاته..

.. وصار أيضا البوابة الجديدة للتحريض ضد "لوزتي"!!

فهناك من افتى عليه قتلها بتسميمها, كما أفتوني بذلك من قبله.. ورفضنا أن نكون قتله ونغدر حتى لو كان المستهدف بالغدر"كلبة" !!

..وهناك من أفتى عليه أن يتبرع بها لأحد يحب الكلاب هكذا يجد راحة نفسية من خشيته أن يرمي بها إلى تهلكه كما حدث سابقا واضربت عن الطعام!!

لكن أغرب الفتاوي هي تلك التي تقول أن الكلبة سحرتنا بل و أكدت أن كلبة بذكائها لا يمكن أن تكون إلا جنية في هيئة كلب!!

وبالفعل فكلبتنا فتحت عيناها على عائلة أحتضنتها كفرد منها, لذلك نسيت أن تتصرف كالكلاب لدرجة أنها أصرت مرة على تبني قطة حديثة الولادة!! نعم.. الصورة أعلاه هي بالفعل للوزة وقطتها المتبناه!!

وأقنعناها بصعوبة للتخلي عنها وإعادتها لوالدتها !!



--------------------------------- ---------------------------- --------------------
خالي العزيز جاء لزيارتنا وأستفرد بوالدي ليقنعه بالتخلص من تلك الكلبة اللعينة, بعد نصف يوم نجح فيما فشل فيه الكثيرون و أقتنع والدي!!

ولللاشارة فقط أن خالي لم يتعدى مستوى القسم الخامس أبتدائي وتاجر فاشل ومع هذا كان صاحب منطق وأستطاع أن يقنع والدي المثقف ورئيس مصلحة بدائرة للأمن !!


لايجوز شرعا وجود كلبة ببيتنا!!

وجدت نفسي أتحدى خالي أن يأتيني بسند شرعي على ما يقوله, وحينها سأخرجها بنفسي إلى الشارع..
وبعد ذهاب الاثنين لصلاة الجماعة عاد إلى بفتوى من إمام الجامع , يفتي فيها تقريق الكلبة عن العائلة !!


فتوى لأجل كلبة!! لم أسخر من والدي وخالي المعروف بعناده الشديد.. فأنا الأخرى كنت واحدة تشبههم, لكن علمتني تلك المخلوقة التي يتعدى وزنها ثلاثة كلغ, ولا يتجاوز طولها نصف متر دروسا في الرحمة و الوفاء والعطاء, والحنان, والانتماء, وحتى دروسا في تقبل الاخرين وكيفية تقريبهم إلي..
التزمت الصمت حتى غادر خالي العزيز لكي أستفرد بوالدي بدوري وأقنعه بتبني فكري !!


لم أحاول أن أناقشه في الفتوى, أعددت "للوزتي" ماءً ساخنا لحمامها.. كي نستعد للذهاب للبيطري, لتأخذ جرعة اللقاح السنوية وربما نجد هناك عريسا للوزة, (ففي عرف الكلاب يذهب أهل الكلبة لخطبة الكلب.. حتى يحافظوا على نقاء سلالة جراءها, فكلبتنا كلبة عائلة) !!


وجدت والدي وقد ارتسمت تعابير مريحة على وجهه, وكأنه كان يعول علي في الرفض.. فهي فرد من العائلة الآن, لم تعرف مكانا إلا هنا, فوجدت نفسي أقول له ممازحة :

-أبنتك التي تعرفك عن ظهر قلب! أنت لا تريدها أن ترحل.. جرب فقط أن تخرج بها وتتركها وتذهب !!

هي لا تبتعد عن باب المنزل دون أن تتأكد أن خطواتنا تتبعها..

قل لي فقط.. كيف يمكن أن يكون تديننا مرتبطا بخيانة لمشاعر كيان أحبنا بصدق وارتبط بنا؟

.. لقد فتشت في كل ما هو شرع عن شيء يدخلنا جهنم لو شاركناها السكن, لم أجد ! لكن في المقابل وجدت الكثيرين ممن دخلوا الجنة بكل ذنوبهم لأنهم سقوا أو أطعموا كلب.. الرحمة شيء نكافئ عنه لا نعاقب عليه, وهذه فتوى أتحمل مسؤوليتها عنك ليوم القيامة: "الرحمة شيء نكافئ عنه ولا نعاقب عليه"..

آمال عكيفي / 27 ماي 2009

0 التعليقات:

إرسال تعليق


أهلا بك في بيتك

أهلا بك في بيت القصة.. يهمنا أن تشاركنا بقصتك القصيرة.. مهما كانت قصيرة.. فهي تعنينا.. بيت القصة هو مكان لكل القصص القصيرة كانت من مخيلتك أو من مداعبات الواقع.. راسلنا على هذا العنوان amal.akifi@gmail.com..
سنهتم بتقييمها ونشرها,
بشرط أن لا تحمل مساهمتك أي إساءة لفظية ضد شخص بعينه أو دين..