سجن بلا أسوار

خرجت هربا من هذه المرأة التي ادعوها زوجتي, بعد أن أسدل الليل ثيابه شديدة السواد على الأفق, أوائل شهر أغسطس موسم التزواج عندنا معشر المصريين, أجوب الشوارع بسيارتي بلا هدف, لا اسمع سوى صوت ضجيج الأفراح, فهل المدينة كلها تتزوج؟ربما.
لم أجد غير شاطئ النيل المظلم ملجأ لي,
جلست في السيارة استنشق العبير الرطب, واستمتع برائعة فيروز سكن الليل,
يظللني ضوء القمر الشفاف والذي كشف عن شبح يتقدم تجاهي في هدوء,
يا له من قوام متناسق كامل الاستدارة والاستقامة,
اقتربت من نافذة باب السيارة المجاور لي,
ونفخت دخان سيجارتها في وجهي, كشرت عن انيابى,يا لها من عاهرة حقيرة.

قبل أن أخطو خطوة واحدة وجدتها تحتل الكرسي المجاور لي,
فبدأت كغادة في ريعان العمر, يلتصق بها ثوب قصير تأمر مع جوربها الحالك ليخفيا في تعمد, جسد لا يقاوم,
ألقت تحية المساء بلغة فرنسية ركيكة,لم أبالى بالرد عليها, ظلت تتحدث بالعربية المختلطة بالفرنسية إلى أن أيقنت إنها مريضة بالدياجلوسيا أي مرض الازدواج اللغوي,
هممت بإلقائها خارج السيارة, ولكن نفسي لم تطاوعنى, لماذا؟ لا اعرف

أخيرا طلبت منى توصيلها إلى حيث تسكن,
لم أمانع بعد أن فتحت لي شفتيها متوسلة في مجون.
ها قد وصلنا,
دفعتني بلطف إلى منزلها لتعبر لي عن شكرها, ترددت لحظات, ثم تقدمت بحذر بعد أن أيقنت إنها كالثعابين لا تهاجم إلا حين تشعر بالخطر,لذا فلن تهاجمني أبدا.
جلست امامى, تخلصت من جوربها فكشفت عن ساقيها الخمريتين وأظافرها القانية, استلقت على الفوتيه في تدلل وأخذت تعبث في شعرها الكستنائى,
عينيي تحاول أن تشبع من هذا السحر الانثوى, فتاة رائعة الجمال تصلح كفيلم فيديو لليلة واحدة, ولكنها لا تصلح لرحلة عمر, بعد أن فقدت خصوصيتها,
قطاع عام, وضحكت بشدة عندما تذكرت الاتجاه الاقتصادي السائد الآن وهو الخصخصة.

ابتسمت في عذوبة قائلة:
لا يهمني أن اعرف ما يضحكك, ولكن ما يمهنى أن اعرف رأيك في منزلي المتواضع؟

تلفت حولي فلم اعرف لها مزاج,
تحف بجوار زجاجات خمر,
لوح نادرة متراصة بين لوح خليعة تزين معظم الحوائط,
قرأت الحيرة على خطوط وجهي,
فلمعت مقلتيها صائحة:
آمن بالفوضوية, فباكونين هو مثلي الأعلى, قائد الثورة على كل شئ وأي شئ,
هدم كامل لجميع الأشياء والمعاني.

ألجمني منطقها فهل فقدت عقلها؟هكذا سالت نفسي,
بدون مقدمات سألتها: ما اسمك؟

ردت في تمهل: مؤهلات.

قلت ساخرا: عليا ولا متوسطة؟

فاحتدت قبل أن تجيب: هذا أسمى, وعلى فكرة أنا حاصلة على ليسانس آداب.

فهمهمت بخبث قبل أن أقول: آداب!

لم تبالي باستهزائي, خطت نحو زر الكهرباء وقللت الإضاءة متعللة بان الضوء الهادئ يريح الأعصاب, دنت منى جلست بجواري,سندت رأسها إلى صدري, تلاعبت بأزرار قميصي, رفعت رأسها واقتربت بشفتيها من أذني وهمست برقة بالغة:
ما رأيك في بنات حواء؟

قلت في هدوء مصطنع:
كلهن رابعة العدوية,أما في النصف الأول من حياتها,أو في النصف الثاني منها.
ضحكت من ردي والذي يبدو إنها لم تتوقعه, خصوصا في هذا الوضع شديد الرومانسية, اعتدلت في جلستها, ونظرت إلى بعيون ثاقبة قبل أن تقول:
الجنس في بؤرة الاهتمام بالنسبة للرجل والمرأة على السواء, فلماذا تشير أصابع الاتهام دائما إلينا؟
تزعمون إن حواء صاحبة الجريمة الأولى في التاريخ, رغم أن الله يقول في كتابه الحكيم"فوسوس لهما", أي أن المسئولية مشتركة.

نظرت إليها بذهول, ولكنها استطردت:
تستنكرون أن يقترن التاريخ بجلاله وسير عظماءه بالجنس وانحطاطه, رغم أن هذا التاريخ قد كُتب معظمه في غرف النوم وبخليط من أقلام الكحل والروج.

ما هذا الهراء؟ كيف تفكر تلك المرأة التي تمتهن أقدم وأقذر مهنة في التاريخ؟ أهذه المومس الفاضلة كما وصفها سارتر؟
أسالك سؤال؟هكذا قالت.
إسالى.
لماذا لم يمارس ادم الحب إلا مع امرأة واحدة؟
ولم تترك لي حتى فرصة للرد,فأشارت بطرف عينيها والتي تشع منها نظرات جنسية مستفزة قبل أن تقول:
لعدم وجود غيرها.
ابتعدت عنها قليلا لأتحاشى مرمى نظراتها العنقودية,ثم سألتها في حدة:
ماذا عن الرجال في حياتك؟
اعتدلت في جلستها, أشعلت سيجارة, زفرت آهة حسرة واستنشقت آهة مرارة, قبل أن تجيب:
الرجال في حياتي, كلاغانى على شريط كاست, ليس له أهمية إلا بهن, ولا يضر أن تم حذف بعضهن, ولكن تظل واحدة فقط هي الأهم.
تقمصت شخصية سباتاكوس محرر العبيد, وقررت أن أحررها من الرق فصحت:
من كان الأهم؟
بدا وحل الماضي يظهر على قسمات وجهها قبل أن تجيب بمرارة:
كنت افعل معه نفس الشئ, جعلني افعله مع غيره مقابل اجر يحصل هو عليه.
صمتت فاحترمت صمتها, برهة قصيرة وقالت:
الرجال عندي بلا ملامح ولا رتوش, واضحين الغرض بلا تزيف للعبارات, أتحرك معهم كآلة تؤدى عملها بإتقان, في سجن بلا أسوار.
فجأة التصقت بي, بعد أن نفضت عنها غبار الذكريات, تكاد ذراعيها تحطم ضلوعي, يبدو إنها بلغت أقصى درجات العشق الشره, وعندما وصلت تصرفاتها إلى حد معين,وجدتني لا شعوريا أتلو كل ما أتذكره من آيات الذكر الحكيم.
دفعتها عنى, تشبثت بي, دفعتها ثانيتا,
سقطت على الأرض, ظهرت كل مفاتنها بوضوح, ابتسمت وهزت كتفيها فلقد راق لها ما فعلت,
وقفت وسرت بأقدام مرتعشة نحو باب المنزل, فتحته,
وبمجرد أن تجاوزته أسلمت ساقي للريح ولم أتوقف عن الجري,
لم أبالى حتى بسيارتي,
إلى أن وصلت للباب الذي لا يغلق في وجه احد وطرقته,
رغم انه لم يكن مغلقا,
فلا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.


سينارست وائل مصباح عبد المحسن
0114005523 مصر 0101261829

waelmosbah@yahoo.com

1 التعليقات:

آمـال عـكيفـي الاثنين, مايو 11, 2009  

قصة جميلة يا أستاذ وائل.. سوف تندهش لو عرفت أني أكتب شيئا مشابها لما نشرته اليوم..
قصة سميتها "أصحاب الجنة وأصحاب النار".. مهتمة أن تكون هذيتي لشخص عزيز في عيد ميلاده!!
ربما سترى بها تلك المومس بشكل مختلف تماما.. صدقني معظم المنحرفين هم ضحايانا نحن مجتمعاتهم.. ولطالما قدرت مجتمع الممسات لسبب بسيط, قد ينزعج البعض من صراحتي لكنها الحقيقة, لولا الممسات لما قلت البطالة في مجتمعاتنا!! هم من ينشطوا السياحة, ومصدر مهم للعملة الصعبة.. (" أعتبرهم فلكلور شعبي"), ووسيلة لتكافل الاجتماعي, (يكفي يأخدها سخنة من الذي عنده ويعطوها للذي ما عنده قصدي عائلتهم!!

أحييك على طرحك هذا, فعلا ظاهرة دعارة الجامعيات طفت على السطح بشكل لافت للانتباه..
بالتوفيق إنشاء الله..

إرسال تعليق


أهلا بك في بيتك

أهلا بك في بيت القصة.. يهمنا أن تشاركنا بقصتك القصيرة.. مهما كانت قصيرة.. فهي تعنينا.. بيت القصة هو مكان لكل القصص القصيرة كانت من مخيلتك أو من مداعبات الواقع.. راسلنا على هذا العنوان amal.akifi@gmail.com..
سنهتم بتقييمها ونشرها,
بشرط أن لا تحمل مساهمتك أي إساءة لفظية ضد شخص بعينه أو دين..