عائشة قنديشة




عائشة قنديشة!!



أنا عصام طويل..

ضابط برتبة عقيد بالمباحث العامة..

عمري 38 سنة قضيت منها 17 عاما في سلك الشرطة..

مرت علي الكثير من القصص والجرائم الصغيرة والكبيرة..

الكل شهد لي بالكفاءة طوال مدة خذمتي..


هذه سيرتي الذاتية في وزارة الذاخلية..

و أي ضابط في سني سيكون فخورا بما حققته لو كان مكاني..

هناك انكسار كبير بذاخلي.. ارهق غرور الضابط وقلل من طموحاته..

لم اعد أرى نفسي ذلك الضابط الناجح.. لم اعد ذلك الانسان الواثق من نفسه.. مند ان ذخلت عائشة قنديشة حياتي المهنية!!



لازلت اذكر ذلك اليوم.. كان ذلك مند سنتين تقريبا حين حضرت إلى مكتبي في الصباح لأجد ملفا على مكتبي لجريمة اغتصاب جماعي..


الضحية كانت فتاة في 17 من عمرها قمحية البشرة, معتدلة الطول.. وكان شعرها الاسود غير مرتب وملامحها الجميلة مشوهة بين الانتفاخات الناتجة عن الضرب والبكاء والانكسار..

ونظراتها كانت ضائعة وكأنها ميتة خرجت من قبر حديث..



سجلت اقوالها واستدعيت والدها للحضور كعمل روتيني.. ولم اكن اعلم اني بذلك اقيم جنازتها وهي لازالت في قائمة الاحياء..


لم يكن الوالد مريض السكري متفهما للامر ولم يرى ابتنه كضحية.. وتبرئ منها وهو ينكر بنوتها قائلا في هستيريا..


- كانت لي ابنة وماتت البارحة.. أما هذه فلتذهب إلى الجحيم.. لا اريدها وليست ابنتي..


حاولنا اقناعه انها كانت ضحية.. لكنه لم يقتنع بأن ابنته التي كذبت عليه طوال الوقت في جدولها الزمني المدرسي وذهبت لحفلة منزلية مختلطة كانت ضحية..



وبصراحة ساعتها لم اتعاطف معها.. وتعاملت معها كأي مراهقة طائشة سقطت في شر اندفاعها وتهورها..



حولت الفتاة إلى اصلاحية ونسينا قصتها لكثرة القصص الجديدة..
ومرت سنة ونصف على ذلك.. وانشغل كل القسم بحوادث قتل متسلسلة بطلتها عائشة قنديشة!!

وطبعا لا يمكننا ان نسجل الحادثة ضد عائشة قندشية لأنه لا يمكننا تطبيق قانون البلاد إلا على الانس.. والجن خارجون عن كل قوانين البشر..



عائشة لم تتوقف وملفاتنا لم تنتهي..

لا نملك لها عنوانا ولا سجلا في ملفاتنا ولا بصمات..


وتخطت قضية عائشة حدود مكاتبنا لتصبح مشكلة مدينة بأكملها.. مشكلة وعي جماعي..


صحيح انها قللت من جرائم الذعارة وركض سوقها اخيرا.. وقل الزوار على الحانات وقلت معها مشاكلهم الامنية..

لكنها نشطت مجالا اخر للجرائم الدينية والاخلاقية وشلت تفكير مدينة بأكملها..


صارت الزوجات المؤمنات بالشعودة أكثر اعتقادا بأن عائشة تنتقم من خيانة الازواج.. وكثر التردد على بيوت المشعودين..


صار الازواج اكثر خنوعا حين تتباهى زوجاتهم بأنهن من اتباع عائشة وكثرت مظاهر الاعتقاد في عائشة من الذبائح والحضرة..


واصبحت الشوارع نتثنة بالبخور الذي تفضله عائشة من جلود الحيوانات وصغار السحالي!!



ولم يسلم عالم الرجال في المدينة من لعنة الاعتقاد بعائشة.. فاصبحوا اكثر من النساء في التردد على بيوت الشعودة لاسترضاء عائشة حتى لا تنتقم منهم ليلا في احد شوارع المدينة.. والتي صارت شيئا فشيئا شبه خالية ليلا إلا من قصص عائشة لتكون حديث أهل المدينة في الصباح.. واغلبها كان من نسج خيالهم..



واصبحت أكثر الشكاوي التي تصل إلى مكاتبنا عن النصب والاحتيال باسم عائشة قنديشة.. وكان لبد من وضع حد لعائشة واخلالها بالامن العام لمدينة كبيرة بحجم الدارالبيضاء..



عائشة المتهمة في تلك القضايا لم تكن تختار إلا الرجل الكازانوفا.. كانت تقف في شارع هادئ في ثوب ابيض وشعرها الاسود الطويل ينسدل إلى خصرها ليلا وتشير لسيارة عابرة..


من نجوا من قبضة عائشة قالوا انها طوال الوقت تظل صامته.. إلى ان تتلقى دعوة أو تلميحا من صاحب السيارة.. فتبادر بإغرائه إلى ان يقف بسيارته في مكان مظلم.. بعدها تكشف عن رجليها المغطتان بوبر الجمل وتنزل بسكينها على رقبته بسرعة..

وقليلون هم من نجوا من سكينتها القاتله..


و هنا بدلا من ان نستعين بكتب القانون وسجلات السابقين لحل الجرائم.. اتجهنا لاستشارة خبير في الشؤون الجنية ومحترف رقية وخبير في محاربة الجن المتلبس بالبشر!!



عائشة التي عبدها العرب مرة وهي عشتار ومرة وهي العزة.. كانت لا تقهر إلا بذكر الله والتوكل الحق عليه.. ولا يمكنها ان تكون قوية إلا بخوفنا منها..

مند ان توليت قضيتها صارت عائشة هاجسي.. وصرت اشعر بالقشعريرة من مجرد فتح ملف يخصها..

اتخيلها في كل مكان.. واترقب ظهورها في اي مكان خصوصا الحمام..

حتى النوم لم يعد يحلو لي إلا في غرفة مضاءة رغم انزعاجي الشديد من ذلك في السابق..



وكلما تعرفت على عائشة أكثر كلما تخلصت من فكرة وجودها في كل مكان.. واصبحت افتح ملفها بتركيز اكثر..



وأخير قررت ان اواجهها وأتقدم كضحية وهمية لننهي ملف هذه القضية..



في كل ليلة كنت انسق مع فريقي واخرج بسيارتي الخاصة اجوب الشوارع التي اعتادت الظهور فيها لعلها تختارني كضحية..


وأخيرا ظهرت عائشة.. في ثوبها الابيض..

وأشارت لي بيدها..


وتوقفت بسيارتي وقلبي يكاد يقفز من مكانه من الرعب..

ذكرت الله في سري واقنعت غرور الضابط بذاخلي اني على بعد خطوات من حل قضية العام..



صعدت عائشة قنديشة إلى سيارتي ولم اجد الشجاعة لكي التفت إليها..

ظلت صامته طوال الوقت..

سألتها في هدوء..

- إلى اين تريدين أن اوصلك.. للان لم تقولي لي أين عنوانك..


قالت وصوتها مخنوق ببكاء مكبوث :

- إلى جهنم حضرة العميد!!


تملكتني برودة في كل جهازي العصبي.. وايقنت ان عائشة كانت تراقبني طوال الوقت..

تذكرت الله وتعوذت بالله من الشيطان الرجيم وصليت على النبي وآمنت بالله كما لم اؤمن به طوال حياتي..
وشعرت اني قريب منه.. وأني بحاجته في تلك اللحظة أكثر من اي يوم مضى..



لكنها ظلت مكانها ولم ارى نارا تحرقها.. ولا اختفت من مكانها.. نزلت بنظري بحذر إلى رجليها.. لأرى قدمين تنتعل حذاء وساقين لفتاة عادية.. وشيء ما تحت فستانها.. يكسر انسيابه..


التفت إلى الفتاة.. التي كانت تنظر إلى في ضياع وقهر ودموعها تنزل بدون توقف في صمت..



قلت في انهزام وأنا ارى عيونها التي تشكوني إلى الله..


- أنت؟؟




قالت وهي تبتسم في سخرية..

- نعم انا حضرة الضابط..


ورفعت فستانها حيث كانت تنتعل بنطالا لاصقا من وبر الجمل.. وهي تتابع..


- أهذا ما كنت تبحث عنه وأنت تختلس النظر إلى قدمي؟!!




قلت وانا لا استوعب كيف ولماذا..

- لماذا أنت؟؟



- لأنني شبح ميته.. قتلت يوم اغتصبها الكلاب وكانوا رجال..

ومثل بجثتي ابي حين رمى بي إلى الشارع وكان رجلا..

ولانك تفرجت حضرة الضابط على قصتي وكأني رخيصة لا تستحق وقوفك واهتمامك.. وانت رجل..


ألم تكن شهادة الطبيب وعلامات الضرب الهمجي على جسدي كافية لتخبرك اني دافعت عن شرفي إلى النهاية!!



تحركت يدها اليمنى فتحفزت لاستلام سكينتها لكنها كانت اسرع مني..




لم تصل إلى عنقي.. لم تصل إلي.. ورغم سرعتي في اسعافها لم انجح في انقادها..



وإلى الان لا تفارقني صورة السكينة المغروسة في صدرها.. وكأنها كانت تنتظر وصولي لكي تنهي اخر فصل في قصتها وتبدئ فصول عذاباتي مع عائشة التي صارت حبيبتي..

اشتاق إليها..

أحادث صورتها..

وأصلي وأكثر الدعاء لروحها.. واستغفر الله في ظلمي لها..




عائشة قنديشة أو للاًّ عائشة كما قرأت عنها.. لم تكن سوى امراة مجاهدة عاشت ما في القرن الخامس عشر..
تقول الرواية أنها كانت مسافرة حينما هاجم الجيش البرتغالي إحدى القرى بالقصر الصغير سنة1558م فأبادوها عن بكرة أبيها وكان في من قتلوا في تلك المجزرة عائلة للا عائشة التي كان وقع الفجيعة شديدا عليها, فبعد أن كانت محاطة بالعائلة والأحباب من كل جانب أصبحت لا أهل لها ولا أحباب
وحينها قررت الإنتقام من الغزات الذين سلبوها كل شيء لم يبقوا في بيتها الصغير حجرا على حجر مستغلة في ذالك جمالها الفاتن الذي وهبها الله إياه..

كانت للا عائشة امرأة غاية في الروعة والجمال ذات شعرطويل وقوام ممشوق فاتنة الى أبعد الحدود.. كانت تظهر للجنود ليلا فتغويهم وتسحرهم فيتبعونها حتى تصل بهم لمكان منعزل فتقتلهم.. وبقيت على ذالك الحال حتى ذاع سيطها وسط الجيش البرتغالي الذي كان قد هجّر سكان القصرالصغير من المدينة التي كانت آن ذاك عبارعن قرى صغيرة هنا وهناك فقام باحتلالها بالكامل وإنشاء مراكزه وقواعده فيها

ورحلت بعد ذالك فانضمت الى الجيش المغربي وبعدها أطلق عليها البرتغاليون إسم عايشة كونديشة أي الأميرة عائشة و قد تعاونت مع الجيش المغربي آنداك لمحاربة البرتغاليين فأظهرت من مهارة و شجاعة في القتال حتى ظن البعض و على رأسهم البرتغاليون أنها ليست بشرا و إنما جنية واشاعوا ذالك وسط عامة الناس من الشعب المغربي مستغلين بذالك سذاجة البدويين الضعاف الذين لا همّ إلا أن يتحصلوا قوتهم وذالك بخدمتهم للكيان الغاصب
و قد استمر هذا الإعتقاد سائدا في المغرب الى يومنا هذا وتقول الرواية على أن عائشة قنديشة نالت ثأرها بمشاركتها في معركة واد المخازن عام 1578م والذي كان النصر فيها عظيما ومن هناك لم يعرف لها أثر....
تقول الرواية أنهم بحثوا عن جثتها بين جثت الشهداء فلم يعثروا عليها ..




وجيلا بعد جيل صارت عائشة قنديشة جنية الليل التي تظهر للرجال وتقودهم إلى الهلاك..





الغريب ان قصة عائشة لم تنتهي في المدينة بسرعة ولم يصدق اتباعها الذين تزايد عددهم مند بداية القضية واصبحوا بالآلاف.. أنها كانت فتاة لم تتجاوز التاسعة عشر من عمرها, تقوم بجرائم متسلسلة..

وتصدوا لها بإشاعة تفيد ان الشرطة فبركت القصة حتى تمنعهم من استرضاء عائشة معبودتهم الجديدة..
وهذه القصة جاءت على لسان عائشة قنديشة في كثير من اجتماعات الحضرة!!



آاااااااااااااه.. كم عائشة نمر من جانبها ولا نعيرها اهتماما!!


كم عائشة تحولت إلى شيطان بظلمنا لها؟؟



1 التعليقات:

landing page السبت, يوليو 16, 2011  

Merci khay Osloub ra2i3

إرسال تعليق


أهلا بك في بيتك

أهلا بك في بيت القصة.. يهمنا أن تشاركنا بقصتك القصيرة.. مهما كانت قصيرة.. فهي تعنينا.. بيت القصة هو مكان لكل القصص القصيرة كانت من مخيلتك أو من مداعبات الواقع.. راسلنا على هذا العنوان amal.akifi@gmail.com..
سنهتم بتقييمها ونشرها,
بشرط أن لا تحمل مساهمتك أي إساءة لفظية ضد شخص بعينه أو دين..